فصل: وقال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال الأيمّة: وقد انفرد به البخاري.
ومحمله أنّه رأي من ابن عباس، وهو لا يناسب افتتاح الآية بخطاب الذين آمنوا اللهمّ إلاّ أن يكون المراد تحذير المؤمنين من نحو تلك المسائل عن غفلة من مقاصد المستهزئين، كما في قوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعِنا} [البقرة: 104]، أو أريد بالذين آمنوا الذين أظهروا الإيمان، على أنّ لهجة الخطاب في الآية خالية عن الإيماء إلى قصد المستهزئين، بخلاف قوله: {لا تقولوا راعنا} [البقرة: 104] فقد عقّب بقوله: {وللكافرين عذاب أليم} [البقرة: 104].
وروى الترمذي والدارقطني عن علي بن أبي طالب لمّا نزلت {ولله على الناس حجّ البيت} [آل عمران: 97] قالوا: يا رسول الله في كلّ عام، فسكت، فأعادوا.
فقال: لا، ولو قلت: نعم لوجبتْ، فأنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} قال: هذا حديث حسن غريب.
وروى الطبري قريبًا منه عن أبي أمامة وعن ابن عباس.
وتأويل هذه الأسانيد أنّ الآية تليتْ عند وقوع هذا السؤال وإنّما كان نزولها قبل حدوثه فظنّها الراوون نزلت حينئذٍ.
وتأويل المعنى على هذا أنّ الأمّة تكون في سعة إذا لم يشرع لها حكم، فيكون الناس في سعة الاجتهاد عند نزول الحادثة بهم بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا سألوا وأجيبوا من قِبل الرسول صلى الله عليه وسلم تعيّن عليهم العمل بما أجيبوا به.

.قال الحافظ ابن حجر:

قَوْله: (بَاب قوله: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}):
سَقَطَ «بَاب قَوْله» لِغَيْرِ أَبِي ذَرّ، وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهَذَا النَّهْي مَنْ كَرِهَ السُّؤَال عَمَّا لَمْ يَقَع، وَقَدْ أَسْنَدَهُ الدَّارِمِيُّ فِي مُقَدِّمَة كِتَابه عَنْ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ. وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ: اِعْتَقَدَ قَوْم مِنْ الْغَافِلِينَ مَنْع أَسْئِلَة النَّوَازِل حَتَّى تَقَع تَعَلُّقًا بِهَذِهِ الْآيَة، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهَا مُصَرِّحَة بِأَنَّ الْمَنْهِيّ عَنْهُ مَا تَقَع الْمَسَاءَة فِي جَوَابه، وَمَسَائِل النَّوَازِل لَيْسَتْ كَذَلِكَ. وَهُوَ كَمَا قَالَ، إِلَّا أَنَّهُ أَسَاءَ فِي قَوْله الْغَافِلِينَ عَلَى عَادَته كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْقُرْطُبِيّ. وَقَدْ رَوَى مُسْلِم عَنْ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص رَفَعَهُ «أَعْظَم الْمُسْلِمِينَ بِالْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْء لَمْ يُحَرَّم فَحُرِّمَ مِنْ أَجْل مَسْأَلَته» وَهَذَا يُبَيِّن الْمُرَاد مِنْ الْآيَة، لَيْسَ مِمَّا أَشَارَ إِلَيْهِ اِبْن الْعَرَبِيّ فِي شَيْء.
4255- قَوْله: (حَدَّثَنَا مُنْذِر بْن الْوَلِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن):
أَيْ اِبْن حَبِيب بْن عَلْيَاء بْن حَبِيب بْن الْجَارُود الْعَبْدِيُّ الْبَصْرِيّ الْجَارُودِيُّ نِسْبَة إِلَى جَدّه الْأَعْلَى، وَهُوَ ثِقَة، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيّ إِلَّا هَذَا الْحَدِيث وَآخَر فِي كَفَّارَات الْأَيْمَان، وَأَبُوهُ مَا لَهُ فِي الْبُخَارِيّ ذِكْر إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِع، وَلَا رَأَيْت عَنْهُ رَاوِيًا إِلَّا وَلَده، وَحَدِيثه هَذَا فِي الْمُتَابَعَات، فَإِنَّ الْمُصَنِّف أَوْرَدَهُ فِي الِاعْتِصَام مِنْ رِوَايَة غَيْره كَمَا سَأُبَيِّنُهُ.
تَنْبِيه:
وَقَعَ فِي كَلَام أَبِي عَلِيّ الْغَسَّانِيّ فِيمَا حَكَاهُ الْكَرْمَانِيُّ أَنَّ الْبُخَارِيّ رَوَى هَذَا الْحَدِيث عَنْ مُحَمَّد غَيْر مَنْسُوب عَنْ مُنْذِر هَذَا وَأَنَّ مُحَمَّدًا الْمَذْكُور هُوَ اِبْن يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي شَيْء مِنْ الرِّوَايَات الَّتِي عِنْدنَا مِنْ الْبُخَارِيّ، وَأَظُنّهُ وَقَعَ فِي بَعْض النُّسَخ «حَدَّثَنَا مُحَمَّد» غَيْر مَنْسُوب وَالْمُرَاد بِهِ الْبُخَارِيّ الْمُصَنِّف وَالْقَائِل ذَلِكَ الرَّاوِي عَنْهُ وَظَنُّوهُ شَيْخًا لِلْبُخَارِيِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْله: (عَنْ أَنَس):
فِي رِوَايَة رَوْح بْن عُبَادَةَ عَنْ شُعْبَة فِي الِاعْتِصَام «أَخْبَرَنِي مُوسَى قَالَ سَمِعْت أَنَس بْن مَالِك يَقُول».
قَوْله: (خَطَبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَة مَا سَمِعْت مِثْلهَا قَطُّ قَالَ: لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَم):
وَقَعَ عِنْد مُسْلِم مِنْ طَرِيق النَّضْر بْن شُمَيْلٍ عَنْ شُعْبَة فِي أَوَّله زِيَادَة يَظْهَر مِنْهَا سَبَب الْخُطْبَة وَلَفْظه «بَلَغَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَصْحَابه شَيْء، فَخَطَبَ فَقَالَ: عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّة وَالنَّار فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْر وَالشَّرّ، وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَم».
قَوْله: (لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، قَالَ فَغَطَّى):
فِي رِوَايَة النَّضْر بْن شُمَيْلٍ «قَالَ فَمَا أَتَى عَلَى أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم كَانَ أَشَدّ مِنْ ذَلِكَ، غَطَّوْا رُءُوسهمْ».
قَوْله: (لَهُمْ حَنِين):
بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة لِلْأَكْثَرِ، وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، وَالْأَوَّل الصَّوْت الَّذِي يَرْتَفِع بِالْبُكَاءِ مِنْ الصَّدْر، وَالثَّانِي مِنْ الْأَنْف. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْحَنِين بُكَاء دُون الِانْتِحَاب، وَقَدْ يَجْعَلُونَ الْحَنِين وَالْخَنِين وَاحِدًا إِلَّا أَنَّ الْحَنِين مِنْ الصَّدْر أَيْ الْمُهْمَلَة وَالْحَنِين مِنْ الْأَنْف بِالْمُعْجَمَةِ. وَقَالَ عِيَاض: قَوْله: «فَقَالَ رَجُل مَنْ أَبِي؟ قَالَ: أَبُوك فُلَان» تَقَدَّمَ فِي الْعِلْم أَنَّهُ عَبْد اللَّه بْن حُذَافَة. وَفِي رِوَايَة لِلْعَسْكَرِيِّ «نَزَلَتْ فِي قَيْس بْن حُذَافَة» وَفِي رِوَايَة لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ يَأْتِي التَّنْبِيه عَلَيْهَا فِي كِتَاب الْفِتَن «خَارِجَة بْن حُذَافَة» وَالْأَوَّل أَشْهَر، وَكُلّهمْ لَهُ صُحْبَة، وَتَقَدَّمَ فِيهِ أَيْضًا زِيَادَة مِنْ حَدِيث أَبِي مُوسَى وَأَحَلْت بِشَرْحِهِ عَلَى كِتَاب الِاعْتِصَام، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى، فَاقْتَصَرَ هُنَا عَلَى بَيَان الِاخْتِلَاف فِي سَبَب نُزُول الْآيَة.
قَوْله: (فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة):
هَكَذَا أَطْلَقَ وَلَمْ يَقَع ذَلِكَ فِي سِيَاق الزُّهْرِيّ عَنْ أَنَس مَعَ أَنَّهُ أَشْبَع سِيَاقًا مِنْ رِوَايَة مُوسَى بْن أَنَس كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِل الْمَوَاقِيت، وَلِذَا لَمْ يَذْكُر ذَلِكَ هِلَال بْن عَلِيّ عَنْ أَنَس كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَاب الرِّقَاق. وَوَقَعَ فِي الْفِتَن مِنْ طَرِيق قَتَادَةُ عَنْ أَنَس فِي آخِر هَذَا الْحَدِيث بَعْد أَنْ سَاقَهُ مُطَوَّلًا قَالَ فَكَانَ قَتَادَةُ يَذْكُر هَذَا الْحَدِيث عِنْد هَذِهِ الْآيَة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} وَرَوَى اِبْن أَبِي حَاتِم مِنْ وَجْه آخَر عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَس قَالَ «سَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَحْفَوْهُ بِالْمَسْأَلَةِ، فَصَعِدَ الْمِنْبَر فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْء إِلَّا أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ، فَجَعَلْت أَلْتَفِت عَنْ يَمِين وَشِمَال فَإِذَا كَانَ رَجُل لَافّ ثَوْبه بِرَأْسِهِ يَبْكِي» الْحَدِيث، وَفِيهِ قِصَّة عَبْد اللَّه بْن حُذَافَة، وَقَوْل عُمَر رَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ «خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضْبَان مُحْمَارّ وَجْهه حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَر، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُل فَقَالَ: أَيْنَ أَنَا قَالَ: فِي النَّار. فَقَامَ آخَر فَقَالَ: مَنْ أَبِي؟ فَقَالَ: حُذَافَة. فَقَامَ عُمَر- فَذَكَرَ كَلَامه وَزَادَ فِيهِ- وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا، قَالَ فَسَكَنَ غَضَبه وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة» وَهَذَا شَاهِد جَيِّد لِحَدِيثِ مُوسَى بْن أَنَس وَالْمَذْكُور. وَأَمَّا مَا رَوَى التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث عَلِيّ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} قَالُوا يَا رَسُول اللَّه فِي كُلّ عَام؟ فَسَكَتَ. ثُمَّ قَالُوا: يَا رَسُول اللَّه فِي كُلّ عَام؟ فَقَالَ: لَا، وَلَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ. فَأَنْزَلَ الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا} فَهَذَا لَا يُنَافِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُون نَزَلَتْ فِي الْأَمْرَيْنِ، وَلَعَلَّ مُرَاجَعَتهمْ لَهُ فِي ذَلِكَ هِيَ سَبَب غَضَبه. وَقَدْ رَوَى أَحْمَد مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَالطَّبَرِيُّ مِنْ حَدِيث أَبِي أُمَامَةُ نَحْو حَدِيث عَلَى هَذَا، وَكَذَا أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْه ضَعِيف وَمِنْ آخَر مُنْقَطِع عَنْ اِبْن عَبَّاس، وَجَاءَ فِي سَبَب نُزُولهَا قَوْل ثَالِث وَهُوَ مَا يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث اِبْن عَبَّاس فِي الْبَاب عَقِب هَذَا وَهُوَ أَصَحّ إِسْنَادًا، لَكِنْ لَا مَانِع أَنْ يَكُون الْجَمِيع سَبَب نُزُولهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَجَاءَ فِي سَبَب نُزُولهَا قَوْلَانِ آخَرَانِ، فَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ وَسَعِيد بْن مَنْصُور مِنْ طَرِيق خُصَيْفٍ عَنْ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس: أَنَّ الْمُرَاد بِالْأَشْيَاءِ الْبَحِيرَة وَالْوَصِيلَة وَالسَّائِبَة وَالْحَامِ. قَالَ فَكَانَ عِكْرِمَة يَقُول: إِنَّهُمْ كَانُوا يَسْأَلُونَ عَنْ الْآيَات، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ. قَالَ: وَالْمُرَاد بِالْآيَاتِ نَحْو سُؤَال قُرَيْش أَنْ يَجْعَل الصَّفَا لَهُمْ ذَهَبًا، وَسُؤَال الْيَهُود أَنْ يَنْزِل عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنْ السَّمَاء وَنَحْو ذَلِكَ. أَخْرَجَ اِبْن أَبِي حَاتِم مِنْ طَرِيق عَبْد الْكَرِيم عَنْ عِكْرِمَة قَالَ نَزَلَتْ فِي الَّذِي سَأَلَ عَنْ أَبِيهِ. وَعَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي الَّذِينَ سَأَلُوا عَنْ الْبَحِيرَةِ وَغَيْرهَا، وَعَنْ مِقْسَم فِيمَا سَأَلَ الْأُمَم أَنْبِيَاءَهَا عَنْ الْآيَات. قُلْت: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُحْتَمَل، وَكَذَا مَا أَخْرَجَ اِبْن أَبِي حَاتِم مِنْ طَرِيق عَطِيَّة قَالَ «نُهُوا أَنْ يَسْأَلُوا مِثْل مَا سَأَلَ النَّصَارَى مِنْ الْمَائِدَة فَأَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ» وَقَدْ رَجَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَكَأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى؛ لِوُقُوعِ قِصَّة الْمَائِدَة فِي السُّورَة بَعْد ذَلِكَ، وَاسْتُبْعِدَ نُزُولهَا فِي قِصَّة مَنْ سَأَلَ عَنْ أَبِيهِ أَوْ عَنْ الْحَجّ كُلّ عَام، وَهُوَ إِغْفَال مِنْهُ لِمَا فِي الصَّحِيح، وَرَجَّحَ اِبْن الْمُنِير نُزُولهَا فِي النَّهْي عَنْ كَثْرَة الْمَسَائِل عَمَّا كَانَ وَعَمَّا لَمْ يَكُنْ، وَاسْتَنَدَ إِلَى كَثِير مِمَّا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّف فِي «بَاب مَا يُكْرَه مِنْ كَثْرَة السُّؤَال» فِي كِتَاب الِاعْتِصَام وَهُوَ مُتَّجَه، لَكِنْ لَا مَانِع أَنْ تَتَعَدَّد الْأَسْبَاب، وَمَا فِي الصَّحِيح أَصَحّ. وَفِي الْحَدِيث إِيثَار السَّتْر عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَكَرَاهَة التَّشْدِيد عَلَيْهِمْ، وَكَرَاهَة التَّنْقِيب عَمَّا لَمْ يَقَع، وَتَكَلُّف الْأَجْوِبَة لِمَنْ يَقْصِد بِذَلِكَ التَّمَرُّن عَلَى التَّفَقُّه، فَاَللَّه أَعْلَم. وَسَيَأْتِي مَزِيد لِذَلِكَ فِي كِتَاب الِاعْتِصَام إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَوْله: (رَوَاهُ النَّضْر) هُوَ اِبْن شُمَيْلٍ، وَرَوْح بْن عُبَادَةَ عَنْ شُعْبَة أَيْ بِإِسْنَادِهِ، وَرِوَايَة النَّضْر وَصَلَهَا مُسْلِم، وَرِوَايَة رَوْح بْن عُبَادَةَ وَصَلَهَا الْمُؤَلِّف فِي كِتَاب الِاعْتِصَام.
4256- قَوْله: (حَدَّثَنِي الْفَضْل بْن سَهْل) هُوَ الْبَغْدَادِيّ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِع وَشَيْء تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاة، وَأَبُو النَّضْر هَاشِم بْن الْقَاسِم، وَأَبُو خَيْثَمَةَ هُوَ زُهَيْر بْن مُعَاوِيَة، وَأَبُو الْجُوَيْرِيَةِ بِالْجِيمِ مُصَغَّر اِسْمه حِطَّان بِكَسْرِ الْمُهْمَلَة وَتَشْدِيد الطَّاء اِبْن خُفَاف بِضَمِّ الْمُعْجَمَة وَفَاءَيْنِ الْأُولَى خَفِيفَة، ثِقَة مَا لَهُ فِي الْبُخَارِيّ سِوَى هَذَا الْحَدِيث وَآخَر تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاة وَيَأْتِي فِي الْأَشْرِبَة لَهُ ثَالِث.
قَوْله: (عَنْ اِبْن عَبَّاس):
فِي رِوَايَة اِبْن أَبِي حَاتِم مِنْ طَرِيق أَبِي النَّضْر عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ حَدَّثَنَا أَبُو الْجُوَيْرِيَةِ سَمِعْت أَعْرَابِيًّا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ سَأَلَهُ يَعْنِي اِبْن عَبَّاس.
قَوْله: (كَانَ قَوْم يَسْأَلُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتِهْزَاء):
قَدْ تَقَدَّمَ طَرِيق الْجَمْع بَيْنه وَبَيْن الَّذِي قَبْله، وَالْحَاصِل أَنَّهَا نَزَلَتْ بِسَبَبِ كَثْرَة الْمَسَائِل إِمَّا عَلَى سَبِيل الِاسْتِهْزَاء أَوْ الِامْتِحَان وَإِمَّا عَلَى سَبِيل التَّعَنُّت عَنْ الشَّيْء الَّذِي لَوْ لَمْ تَسْأَل عَنْهُ لَكَانَ عَلَى الْإِبَاحَة، وَفِي أَوَّل رِوَايَة الطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيق حَفْص بْن نُفَيْل عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ «قَالَ اِبْن عَبَّاس: قَالَ أَعْرَابِيّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ: هَلْ تَدْرِي فِيمَ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة» فَذَكَرَهُ وَوَقَعَ عِنْد أَبِي نُعَيْم فِي «الْمُسْتَخْرَج» مِنْ وَجْه آخَر عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الضَّالَّة فَقَالَ اِبْن عَبَّاس: «مَنْ أَكَلَ الضَّالَّة فَهُوَ ضَالّ». اهـ.

.وقال ابن عاشور:

وقد تختلف الأحوال والأعصار فيكونون في حرج إن راموا تغييره؛ فيكون معنى {إن تبد لكم تسؤكم} على هذا الوجه أنّها تسوء بعضهم أو تسوءهم في بعض الأحوال إذا شقّت عليهم.
وروى مجاهد عن ابن عباس: نزلت في قوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البَحيرة والسائبة والوصيلة والحامي.
وقال مثله سعيد بن جبير والحسن.
وقوله: {أشياء} تكثير شيء، والشيء هو الموجود، فيصدق بالذات وبحال الذات، وقد سألوا عن أحوال بعض المجهولات أو الضَّوالّ أو عن أحكام بعض الأشياء.
و{أشياء} كلمة تدلّ على جمع «شيء»، والظاهر أنّه صيغة جمع لأنّ زنة شيء «فَعْل»، و«فَعْل» إذا كان معتلّ العين قياس جمعه «أفعال» مثل بيت وشيخ.
فالجاري على متعارف التصريف أن يكون «أشياء» جمعًا وأنّ همزته الأولى همزة مزيدة للجمع.
إلاّ أنّ «أشياء» ورد في القرآن هنا ممنوعًا من الصرف، فتردّد أئمّة اللغة في تأويل ذلك، وأمثل أقوالهم في ذلك قول الكسائي: إنّه لما كثر استعماله في الكلام أشبه «فعلاء»، فمنعوه من الصرف لهذا الشبه، كما منعواسراويل من الصرف وهو مفرد لأنّه شابه صيغة الجمع مثل مصابيح.
وقال الخليل وسيبويه: «أشياء» اسم جمع «شيء» وليس جمعًا، فهو مثل طَرْفاء وحلفاء فأصله شيْئاء، فالمّدة في آخره مدّة تأنيث، فلذلك منع من الصرف، وادّعى أنّهم صيّروه أشياء بقلب مَكَاني.
وحقُّه أن يقال: شيْئَاء بوزن «فعلاء» فصار بوزن «لفعاء».
وقوله: {إن تبد لكم تسؤكم} صفة {أشياء}، أي إن تُظهرْ لكم وقد أخفيت عنكم يكن في إظهارها ما يسوءكم، ولمّا كانت الأشياء المسؤول عنها منها ما إذا ظهر ساء من سأل عنه ومنها ما ليس كذلك، وكانت قبل إظهارها غير متميّزة كان السؤال عن مجموعها معرّضًا للجواب بما بعضه يسوء، فلمّا كان هذا البعض غير معيّن للسائلين كان سؤالهم عنها سُؤالًا عن ما إذا ظهر يسوءهُم، فإنّهم سألوا في موطن واحد أسئلة منها: ما سرّهم جوابه، وهو سؤال عبد الله بن حذافة عن أبيه فأجيب بالذي يصدّق نسبه، ومنها ما ساءهم جوابه، وهو سؤال من سأل أين أبي، أو أين أنا فقيل له: في النار، فهذا يسوءه لا محالة.
فتبيّن بهذا أنّ قوله: {إن تبد لكم تسؤكم} روعي فيه النهي عن المجموع لكراهية بعض ذلك المجموع.
والمقصود من هذا استئناسهم للإعراض عن نحو هذه المسائل، وإلاّ فإنّ النهي غير مقيّد بحال ما يسوءهم جوابه، بدليل قوله بعده {عفا الله عنها}.
لأنّ العفو لا يكون إلاّ عن ذنب وبذلك تعلم أنّه لا مفهوم للصفة هنا لتعذّر تمييز ما يسوء عمّا لا يسوء. اهـ.